الإعلام و القضية اليمنية
الساعة 06:58 مساءً

نشأت الحركة الطلابية اليمنية في القرن الماضي في ظل وجود مخاطر حقيقة محدقة بأرض و شعب اليمن، جنوب محتل، و شمال تحكمه الرجعية المتخلفة المتخندقة تحت لواء خرافات السلالة و الولاية و الوصاية و المتسترة بالدين وبالنبي الكريم لتمرر مشروعها وشبقها السلطوي على عموم الناس، الإستعمار دوماً كان يريد خلق ثقافة تخصه ترسخ قيمه، والإمامة لها قيمها الخاصة التي تُعلي من شأن الحكم الكهنوتي و قداسة المجرمين بإسم النبي و الدين.
هذه المخاطر تصبح أشد كلما أضيف إليها عملية التجهيل المتعمد للشعب في الشمال و الجنوب، فالتعليم كان محصوراً في الجنوب لخدم الاستعمار، و التعليم في الشمال لأفراد السلالة و النخبة المقربة من الكهنوت الامامي من الفقهاء و القضاة، "و إذا أشتط سلالي رقعوه بفقيه أو قاضي" لكن كل هذا لم يمنع من البدء في الحركة الطلابية بإنشاء الإمام البيحاني رحمة الله نادي الإصلاح العربي الإسلامي في عدن عام 1929.
رواد هذا النادي و هم طلاب تلك المرحلة أسسوا الجمعية اليمنية الكبرى عام 1946 لمناهضة الرجعية، الزبيري و النعمان و غيرهم، إلى أن قاموا بثورة 17 فبراير 1948 وهي المرحلة الأولى من مراحل الثورة اليمنية و التي أسست لروح الثورة الممتدة إلى 11 فبراير 2011.
الإتحاد الطلابي حركة ثورية، حركة وعي، حركة ممتدة و لن تنتهي ما دامت الرغبة في التعلم و التعليم و إصلاح الأوضاع مستمرة، و إذا صلحت الأوضاع لابد أن يطور الإتحاد برامجه للوصول إلى تحسين الأداء العام للأنظمة التعليمية و الإجتماعية و السياسية، و كلما ذهب جيل إتحاد جاء جيل أخر ليكمل رسالته، الإتحاد قوة مجتمعية لا يُستهان بها، و من فشل في إنتخابات الإتحاد يعود للأسلوب القديم ليبلبل "اقصونا دهفونا"، و هي حجج بالية، فمن أراد أن يقود فعليه بالإتحاد فهو مدرسة القيادة الأولى.
و من إتحادات الطلاب المفعمة بالحياة يخرج الإعلامي المنشود لهذه الأمة، فاليوم هناك تسطيح كبير لمفهوم الإعلام في هذا العصر، بسبب تسارع ثورة الإتصالات و المعلومات، نحن الان على مشارف الجيل الخامس من الشبكات، و التي ستُمكن الناس من التواصل بشكل أفضل من ذي قبل، قريباً ستصل هواتف G5 لتنقل البشر إلى عالم أسرع و تقنية أدق و أرخص، فكل من لديه موبايل ذكي و أنترنت و حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي و لديه القدرة على إيصال رسالة سواء مكتوبة أو مسموعة أو مرئية صار يرى أنه إعلامي، و حقيقة يسمى هذا التحول بعصر المواطن الصحفي، لكن و هذا هو المهم من استطاع إمتلاك الأدوات و لم يحمل مشروعاً أو رسالة أو هدف مرحلي على الأقل فهو يهذي و يفرغ الكبت الذي يشعر به في أعماقه، فالإعلام ليس كثرة النشر، و لا كثرة الروابط ، بل هو ما تحمله الرسائل من مفاهيم و قيم قوية و واضحة .
نظرية المسؤولية الاجتماعية في الإعلام من أهم النظريات التي يمكن أن تسهم في رفع نسبة الوعي، و قد جاءت بعد نظريات السلطة و الحرية و الشمولية و الرأسمالية، و هي ترى أن الإعلام مسؤولية، و ليس حرية منفلتة، و خروج عن القيم المجتمعية، و تحدثت النظرية عن موضوعية الإعلام و حياديته، هذه النظرية تُسهم في رفع الوعي و تسهم في توسيع دائرة الوعي المجتمعي بكل أشكاله.
و عموماً النظرية الإعلامية هي فسلفة مبسطة تحكي دور الإعلام و أهميته، لكن فلسفة الإعلام الحقيقية أعم، و أشمل، و أقدر على التعامل مع الوقائع بعيداً عن التعقيدات النظرية.
ما يجري اليوم هو مجرد نشر، و منه ما هو مفيد، و منه النشر المنفلت؛ أفلام البورنو و اللعن و الشتم و القذف و التشهير، و إستخدام المعرفات الوهمية، و بكل الأحوال هذه الظواهر "الجديدة القديمة" لن تدوم، ما سيبقى هو الفكرة و الرسالة و الهدف، و أما الضجيج فسيذهب مع ترك أثاره السيئة في المجتمع.
الإعلامي الحقيقي هو من يحمل رسالة، و قبل الرسالة يحمل أخلاقيات المهنة، و لديه شهادة أكاديمية، و شهادات إحترافية تطور أدائه، الإعلام علم من العلوم، يتحول إلى فن و أسلوب مميز مع الممارسة و الحصول على الشهادات الاحترافية التي تُمكن الإعلامي من مواكبة العصر، فالأساليب تتقادم و الأجيال تتطور و الحضارة متواصلة، و لابد من التحديث المستمر للريادة في إستخدام تقنيات الإعلام و توظيفها، فمن فاتته دراسة الإعلام فعليه بالكورسات الإعلامية النوعية و الإحترافية التي تتكي على جهده الذاتي في معرفة الأساسيات، إما عن طريق الدروات القصيرة، أو القراءة و البحث و السؤال و التعلم و كل شيء صار متاح.
ما يصنعه الاعلام اليمني في الخارج ينعكس على الداخل، أي نشاط هنا بالخارج ينعكس على الناس هناك بالداخل، و ما يحدث في الداخل ينعكس للأسف هنا في الخارج، هناك مثلاً صراعات حزبية بالداخل تنتقل إلى الخارج، رغم أنه لا الظروف الموضوعية في الخارج تسمح بإنقسامات، و لا الوضع النفسي للأفراد يسمح بإستيراد مشكلات الداخل، من جهة أخرى الصورة التي يرسمها إعلام الخارج يجب أن تكون ملهمة لمن هم في الداخل، كنقل التجارب الدولية الناجحة بغرض التحفيز و التثقيف لأجل النهوض اليمني، هذا نظرياً، لكن الوقع مختلف إلى حد ما، فكيف نوظف الإعلام في الخارج بما يخدم الداخل، أو كما يقترح العنوان التعريف بالقضية اليمنية؟
و لهذا لابد أن نسأل ماهي القضية اليمنية؟ القضية اليمنية اليوم هي كل هذا الضياع و التشرد و الحرب التي تسبب بها إنقلاب الشر و الفوضى و التدخلات الدولية، هي بحث شعبنا عن إستقرار، و لا إستقرار بلا دولة، و لا دولة بلا مؤسسات، و لا مؤسسات بلا فكرة، و لا فكرة بلا فلسفة يمنية جامعة تلم كل هذا الشتات و العبث و تُخرج من كل هذا الركام و التخلف أمة يمنية جديدة قادرة على بناء دولتها الحرة و المستقلة مكتملة السيادة.
قضيتنا أننا نريد استعادة و بناء دولتنا، دولة الأمة، دولة الشعب، و ليست دولة العنصرية، و الطائفية و السلالية، و المناطقية، و كل المشاريع العرقية و الجهوية الصغيرة، قضيتنا اليوم بحاجة إلى التفكير بكيفية الخروج من هذا المأزق اليمني الذي وصلنا إليه.
عند الحديث عن قضية يمنية نتذكر أن الأمر مرتبط بالدولة و المواطنة و الهوية و الأمة اليمنية الواحدة، إن محاولة القفز على ثوابت الأمة اليمنية ما هو إلا تمزيق يُضعفنا، و يضعف قضيتنا، إذا أردنا شرح القضية للعالم علينا حمل الرؤية الوطنية الواحدة.
نريد دولة للناس جميعاً بلا إقصاء، و بلا تجريف للهوية، و بلا تجريف للمجتمع و تكويناته و تنوعه.
علينا التأكيد على أن كل الناس يمنيون لا فرق بينهم، و لا تمايز، و لا عصبويات، و لا طوائف، و لا عرقيات.
و التأكيد على أننا نريد دولة المواطنة المتساوية، لا دولة العصابات المتناحرة بإسم الشمال، و الجنوب، و الشوافع، و الزيود، و كل مسميات التخلف.
في رؤيتنا الوطنية علينا التحدث بدون عنصرية، و بدون عرقية و بدون طائفية، علينا إقناع العالم أننا نسيج يمني واحد، و مكونات مجتمعية متناغمة متناسقة يكمل بعضها الأخر.
يذهب الانقلابيون اليوم بدعوى المظلومية، و أنهم أقلية، و هذا غير صحيح، هم يبحثون عن عالم محابي يساند الأقليات، و يدعم الطوائف ليستأثروا بالدعم و السلطة و القوة.
إن قبولنا بالدعاوى التمزيقية الاستئصالية يمزقنا تحت أي عنوان، كما أن الحديث عن يمن ممزق و كانتونات صغيرة و قضايا ثانوية يعيقنا، لن يُصدقنا أحد، و لن يلتفت إلينا أحد و نحن نتحدث عن مشاريع صغيرة كدولة حضرموت أو دولة تعز، أو دولة مأرب، أو دولة صعدة، فلنتحدث عن دولة اليمن الكبير، عن التنمية، عن التعايش، عن المواطنة.
التعريف بالقضية بمنهجية صحيحة سيخدمنا وسينعكس على الداخل، معرفة الناس لقضيتهم و تشخيصهم للمشكلة و معرفة الحل هو من سيقود الجميع للذهاب نحو الدولة و ترك الحروب و الصراعات و نبذ التعصب.
نحتاج إلى تجريم الفكر العنصري القائم على اللون و العرق و فصيلة الدم و الجينات، والطائفة، و دعاوي السكان الأصليين و غير الأصليين الفارغة، تجريمه فكرياً بيننا و تجريمه في القانون مستقبلاً.
نحتاج إلى العمل جميعاً للوصول إلى وسائل الاعلام العالمي، نحتاج إلى إقامة شبكة علاقات مع إعلام العالم، في كل دولة يوجد فيها يمنيون، يوجد فيها بالتأكيد إعلاميون و صحفيون و حقوقيون، علينا إسنادهم في الارتباط بشبكات الإعلام في هذه البلدان ليشرحوا للإعلاميين الدوليين أبعاد القضية اليمنية، و رغبة الشعب في إقامة دولته، و السعي في إيصال رسالة للعالم أن الشعب اليمني ليس إرهابياً كما صوره إعلام "المرحوم"، و إعلام بعض الاشقاء الذين يشوهون اليمن كلٌ على طريقته.
نحتاج أيضا إلى ربط الجاليات اليمنية بمؤسسات الإعلام و مراكز الأبحاث لتكون هذه الجاليات في العالم خير من يحمل قضيتنا اليمنية لصناع الرأي العالم العالمي.
نحتاج إلى دعم مراكز بحثية و إعلامية يمنية في الخارج لإيصال القضية اليمنية للعالم، و لدراسة الإمكانيات و الفرص للتعاون بين شعبنا، و شعوب العالم، و بين دولتنا "المنتظرة" و دول العالم، بناء على المصالح المشتركة بين الشعوب.
علينا إيصال الفن والتراث اليمني للعالم، علينا إعادة إنتاج السلع اليمنية كالبن و العسل و البسباس و تسليع المأكولات اليمنية و الفواكه بحسب المواصفات التجارية، لنقول للعالم أن اليمن قهوة و عسل و أسماك و عنب و رمان و أكلات و مطاعم أصيلة و فلكلور و رقص شعبي و غناء يمني راقي و عمارة متميزة، نحن لسنا إرهابيين، و لسنا وحوش.
نحتاج إلى إبراز و تلميع الكوادر العلمية المتفوقة، و ربطها بالقضية اليمنية، و عدم تركها أو السماح لها بالإنسلاخ عن اليمن و عن القضية عندما تجد حلولاً لمشكلاتها الشخصية والمعيشية و تجرفها الأيام .
الهجرة زادت، و التشرد زاد، و الكوادر ترحل كل يوم، لسنا ضد رحيلها بل مع حملها للقضية اليمنية معها في المهجر، قضية بناء الدولة التي نحلم بها جميعاً.

* من صفحته على فيسبوك